هذه الصورة التقطها المصور كيفن كارتر في جنوب السودان، وفازت بجائزة بوليتزر في نيسان 1994 وفي المشهد طفلة سودانية تزحف باتجاه مخيم توزيع الأغذية وقد أنهكت المجاعة جسدها النحيل .
خلفها ''النسر '' آكل الجيف ينتظر موتها، ولا احد يعلم ماذا حدث للطفلة،أما كيفن فقد عثر عليه بعد شهرين من فوزه بالجائزة منتحرا.. !
فيض في حضور الصورة ،واعتذار للنسر.
أية تصاريف التي وضعت طفلة هدها الجوع أمامك فبدوت شامتا ، بئس النسر أنت وان علوت، وبئس النسر أنت إن تفرد جناحيك وتتشهى أن تولغ منتشيا في دمها ، دون وازع من ضمير..
وبئس النسر أنت ،ألا تراها لا شيء يعينها على الاستنهاض أو حتى النظر صوبك، ففيم تنتظر !
***
كيف لمثلك أن يرى الألم مبثوثا في قسمات وجهها، أو يرى العينين تحتقنان بالدم والاسى ،وانت تقف هناك خلفها ..هلا درت حولها، لتسمع وجيف قلبها الملتاع ؟
***
النسور لا قلب لها وأنت أشدها وطأة ،فمن علمك أن تشتم رائحة الموت دون أن تدرك ما يضطرم في داخل هذا الكائن الهش من وجل وخوف.
لم أر'' ذئبا يعوي في صورة إنسان أو طائر الا أنت وكيفن، فقد التقط صورته ومضى ،وها أنت رابض تترقب ، ويحك ،لم أعرف ذئبا ارتوى من دمنا.
***
لعلها استأنست بك يا كيفن،فالانسان يستأنس بالأنسان، ولكنه الغدر يسري في عروقنا،ووحده هو صاحب المشيئة ،أراد ما كان من أمرها، لحكمة تخفى ،فكان ما كان، مما يعلم ولا نعلم ،ووحده سمع أنينها .
****
في السادس والعشرين من اذار في عام 1993، ظهرت هذه الصورة لأول مرة على صفحات نيويورك تايمز بعد أن اشترتها الصحيفة من كيفن كارتر،وفي تلك الليلة بدأت مئات الاتصالات تتوالى على الصحيفة لتسأل ''هل نجت الطفلة من الموت ''؟ واضطرت الصحيفة أمام سيل الأسئلة للرد والتوضيح ''بأن الطفلة لديها ما يكفي من القوة للابتعاد عن النسر اما مصيرها النهائي فليس معروفا '' .
وفي الثاني من نيسان عام 1994 ،اتصلت المشرفة على الصور في النيويورك تايمز بكيفن لتخبره بفوز الصورة بجائزة بوليتزر. ،ويروي صديق لكيفن رافقه في الرحلة الى جنوب السودان وهو المصور جاوا سيلفا في مقابلة مع الكاتب الياباني اكيو فوجيوارا ،القصة من وجهة نظر مغايرة لما عرف حينها من جدل حول الصورة فيقول ''رافقنا أنا وكيفن وفدا من الأمم المتحدة لتوزيع الغذاء في جنوب السودان،وبعد ان هبطت الطائرة اخبرونا بان موعد الإقلاع سيكون بعد 30 دقيقة فقط وبدأنا نتجول في اطراف المخيم لالتقاط الصور فذهبت أنا لأبحث عن المتمردين وأصورهم ، بينما لم يبتعد كيفن سوى خطوات عن الطائرة.
ويكمل سيلفا الرواية بقوله''أصابت الصدمة كيفن فهي التجربة الاولى في حياته التي يرى فيها المجاعة وبدأ يلتقط الصور للأطفال الذين أنهكهم التضورجوعا '' وفعلت مثل كيفن فالتقطت مجموعة صورلاطفال باكين من الجوع ،يجلسون على الارض بعد ان تركهم اباؤهم وامهاتهم وحيدين لفترة قصيرة لانهم ذهبوا للطائرة للحصول على الغذاء وهذا هو وضع الفتاة في الصورة كما التقطها كيفن.
،فالنسر هبط خلفها وحتى يتمكن كيفن من جمع الفتاة والنسر معا داخل العدسة بوضوح، فقد تحرك ببطء ودون جلبة حتى لا يهرب الطائر،والتقط المشهد من مسافة لا تتجاوز عشرة أمتار تقريبا .
ويختم ''التقط كيفن مجموعة صور وطار النسر بعيدا''...!
وكما جلبت الصورة الشهرة لكيفن،فقد أثارت الانتقاد الشديد حول سلوكه ،وكان هناك شبه اتفاق بانه أدار ظهره بعد التقاط الصورة ،ولم يساعد الطفلة في الوصول الى مركز توزيع الغذاء ،وبعض المواقع والمنتديات والمعلقين على الانترنت وكعادة العربي يعزون انتحار كيفن بعد شهرين من حصوله على جائزة بوليتزر للصورة ''فقد انتحر متأثرا بما يحمله هذا المنظر من كآبة '' وننسى بان عرب التخمة وليس كيفن او النسر، هم السبب في موتها ،فقد كان يكفيها كسرة من خبز أوشربة ماء أو لقيمة واحدة!
أما عدسة كيفن فتميزت بالإبداع والجرأة او ما يسمى بالسبق الصحفي في الصورة وكذلك كان موته ،اذ ركن سيارته الحمراء قرب احد الأنهار الصغيرة في جوهانسبرغ حيث اعتاد أن يلعب هناك وهو طفل وادخل أنبوب العادم ''الاكزوزت ''الى داخل غرفة السيارة ومات مختنقا باوكسيد الكربون ،وكتب في رسالة انتحاره''أنا محبط ،لا هاتف معي ،ولا أستطيع دفع ايجار البيت او الالتزام بإعانة طفلتي،أو سداد ديوني ،تلاحقني الذكريات الأليمة وتلاحقني صور القتل والجثث والأطفال الموجوعين ،وأولئك المجانين الذين يسحبون زناد السلاح للقتل واعدام الاخرين وهم سعداء.....''
كما جاء في رسالة انتحاره ''الألم في الحياة يتجاوز البهجة الى ذلك الحد الذي يجعلك تشك ان البهجة كانت موجودة اصلا،أما موت كيفن وحياته الاشكالية والمآسي التي عاشها ،فقد ألهمت فريق ''Manic street preachers"لإهدائه اغنية في البوم ''كل الأشياء يجب ان تمضي ''،وافتتاح الاغنية يبدأ بالكاميرا ،ثم تتحول الكاميرا الى بندقية وعلى ايقاع ''تك'' مكررا اكثر من مرة وهو صوت الكاميرا او البندقية يسقط عازف الايقاع ،كما يسقط عازف الجيتار وهكذا يتسع المشهد ويضيق احيانا الى ان نشاهد بعض المشاهد لحشر عين الانسان في داخل العدسة .
وعلى وقع'' تك ''وايحاءاتها تختتم الاغنية بكلمات ''الصورة تلوثنا كما هي الفيروسات''ويبقى سؤال المصير موجعا ومؤرقا ،رغم ان الموت لا يمتاز عن الأشياء الأخرى الا بما نميزه من مفردات شجن.